top of page

اللاجئون السوريون بين ضغوط اللجوء ومصير مجهول


نورهان ، باحثة و ناشطة في مجال حقوق الإنسان.




فصل جديد من العنصرية بحق اللاجئين السوريين في لبنان كما في كل عام، حادثة باسكال سليمان أعادت خطاب الكراهية والعنصرية للسوريين في لبنان إلى الواجهة من جديد. هي ممارسات وأفعال ليست وليدة اللحظة، بل هي على مدى أعوام مورِست بحق السوريين الذين فرّوا من بلادهم بحثاً عن أمن وأمان. لكن الحظ لم يكن حليفهم بسبب غياب الحماية الدولية لهم وعدم تبني سياسة حماية تحميهم من قبل الحكومات اللبنانية المتعاقبة.


كانت حادثة باسكال سليمان حافز لممارسة الاعتداءات الكثيرة في بعض المناطق اللبنانية، والسبب يعود للثقافة السياسية التي رسختها الأحزاب اللبنانية منذ سنوات، أنه عند كل أزمة اقتصادية أو سياسية أو عمل إجرامي يتم إلصاق التهمة باللاجئ السوري.


تتصاعد حدة الممارسات العنصرية بحق اللاجئين السوريين في لبنان يوماً بعد يوم، حيث بدأت في بعض المحافظات بإصدار قرارات بإخلاء عقارات يسكنها سوريين وإعطاء مهلة 15 يوما لتنفيذ الأمر، كما حصل في بعض مناطق الشمال اللبناني، قامت دوريّات من أمن الدولة بتنفيذ قرار محافظ الشمال تبليغ السوريّين غير المستوفين لشروط النزوح أو العمل أو السكن بصورة قانونيّة، ضرورة إخلاء المنازل والأماكن التي يشغلونها، وتمّ تبليغ السوريّين في كفيفان وكوبّا بذلك، وتمّ إخلاء السوريّين القاطنين في بساتين العصي بعد أن تمّ إبلاغهم بضرورة الإخلاء. أيضا بلدية جبيل طلبت من كافة النازحين السوريين القاطنين ضمن النطاق البلدي والغير حائزين على التراخيص والمستلزمات القانونية اللازمة العائدة للإقامة الشرعية في لبنان المغادرة ضمن مهلة عشرة أيام من تاريخ التبليغ تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة. مع حذو أغلب البلديات في لبنان حذو بلدية جبيل مثل: بلدية سن الفيل والمنية والنبي يوشع. 

المخيمات أيضا لم تسلم من هذه الممارسات، بدأت الجهات الأمنية بتفكيك مخيمات للنازحين السوريين في قضاء الكورة في شمال لبنان، بعد نجاحها في تفكيك واحد من أكبر المخيمات في المنطقة وإخلاء مجمّع كبير للسوريين كان يقطنه نحو 1500 سوري، وتفكيك المخيم في مجمع الواحة. 


 وشهدت مخيمات اللاجئين السوريين في منطقة البقاع زيادة في التدقيق والضغوط الأمنية من قبل السلطات اللبنانية، وتكثيف الأمن العام اللبناني وأجهزة المخابرات من زياراتها الدورية التي باتت شبه يومية على المخيمات وشملت حملة مداهمات لبعض المخيمات، حيث تم إنذار أكبر مخيم في منطقة المرج مخيم 003 بالهدم بالجرافات وإخلائه خلال ساعة ونصف، ولكن تم تدخل مجموعة من رجال الدين اللبنانيين وبعض الوجهاء للإعراض عن هذا القرار. 


لا يخلو يوم إلا ويصدر منشور أو تصريح يشير إلى أن وجود اللاجئين السوريين في لبنان "بات خطرا عليهم"، وبذلك تتصاعد حدة القرارات والإجراءات بحق اللاجئين السوريين، حيث نفّذت دوريات من شعبة معلومات الجنوب في الأمن العام حملة واسعة في النبطية ومنطقتها لقمع المخالفات ومراقبة العمالة السورية، أسفرت عن إقفال صالون حلاقة رجالي في محلة بئر القنديل في مدينة النبطية، وختمه بالشمع الأحمر، وتوقيف صاحبه. 


كما تم إقفال منشر صخري في بلدة شوكين يديره عمال سوريون، إقفال فرن في بلدة أنصار يديره عمال سوريون، إقفال بورة للخردة عند مفرق النبطية الفوقا - زوطر الشرقية يديرها عمال سوريون، بناء على إشارة المحامي العام الاستئنافي في النبطية، وقد تم سحب مستندات العمال السوريين المخالفين. وقام مركز الأمن العام في الكورة بإقفال محال لبيع الخضار والفاكهة والمأكولات ومحال تجارية وألبسة وصالون حلاقة رجالي في بلدتي أنفه ودار بعشتار، يديرها ويستثمرها سوريون بطرق (غير شرعية). وفي زحلة - واصلت المديرية العامة للأمن العام في منطقة البقاع دورياتها على المؤسسات السورية (غير الشرعية) واقفلت العشرات منها بإشارة من النيابة العامة الاستئنافية في البقاع. ولاقت هذه الحملة ارتياحًا لبنانياً لدى أصحاب المؤسسات. والملاحظ في إقفال المؤسسات تنوعها بين مختلف أنواع الصناعات والمهن التي يشغلها لبنانيون وهي ممنوعة على النازحين.


وشملت الحملة أيضاً مناطق جب جنين وغزة في البقاع الغربي والنبي شيت في البقاع الشمالي وبرالياس في البقاع الأوسط، تم إقفال مؤسسات مخالفة على مثال تصليح وبيع دراجات هوائية ونارية ومحال سمانة ومستودعات لتخزين الحبوب وبيع مفروشات.

وكان الأمن العام قد حذر سابقا أصحاب المؤسسات بتشريع أوضاعهم ولن يكون هناك أي تهاون مع المخالفين.


يعيش اللاجئين السوريين هاجس خوف الترحيل إلى سوريا، مما يعرض حياة الشباب السوري للخطر في حال تم تسليمهم للسلطات السورية، وخاصة الأشخاص المطلوبين للنظام السوري و المطلوبين للخدمة الإلزامية وخدمة الاحتياط. وشهدت الأيام الفائتة حالات ترحيل لسوريين لا يحملون إقامات قانونية أو يحملون إقامات منتهية الصلاحية، فمنهم أشخاص تم توقيفهم عبر الحواجز الأمنية التي توضع بشكل مفاجئ بين المناطق والقرى في معظم المحافظات اللبنانية، ومنهم من تم توقيفهم أثناء المداهمات الليلية التي قامت بها الأجهزة الأمنية لبعض الأبنية في بعض البلدات. وأعرب مدير عام الأمن العام اللبناني أنه بصدد تحضير خطة تُمهِّد لترحيل عدد من المساجين بالتنسيق مع وزير العدل والنيابة العامة التمييزية وبإشراف وزير الداخلية.


وكشفَ عن تحضير تعديل من قبل المديرية العامة للأمن العام تتعلق بشروط الإقامة بالنسبة للمقيمين، مؤكداً بأنّ التعديلات الجديدة ستَتشدّد في ضرورة تطبيق شروط الإقامة، ومنها تطبيق أحكام صارمة على أيّ سوري مخالف لشروط الإقامة أو مخالف للقوانين اللبنانية، بما فيها الترحيل الفوري فيما لو خالفَ تلك الشروط، وتزامن هذا الخبر مع رفع البدل الجديد للإقامات وصدور قرارات جديدة فيما يخص الحصول على الإقامة القانونية في لبنان.


ساهم الخطاب الشعبوي الذي انتهجه بعض السياسيين، في التحريض على اللاجئين السوريين،  محملاً لهم الكثير من أسباب الانهيار الاقتصادي ووصلت إلى حد اتهامهم بأنهم يتسبّبون بفقدان الخبز والمواد الأساسية من الأسواق، وأنهم يتقاضون مخصّصات بالدولار وتُقدم له كلّ الحاجات الأساسية من طبابة وتعليم ومواد غذائية ومحروقات للتدفئة، فيما يرزح المضيف اللبناني تحت أعباء لا قدرة له على احتمالها.


ومع تصاعد حدة الممارسات العنصرية بحق اللاجئين السوريين وانعكاس الأوضاع الاقتصادية الصعبة عليهم، الأمر الذي يدفعهم نحو خيارات محفوفة بالمخاطر، منها رحلات الموت التي تنطلق من الشواطئ اللبنانية وجهتها الدول الأوروبية، حيث من بداية عام 2024 إلى شهر نيسان تم توثيق  انطلاق  65 قارب هجرة من لبنان عليه 3927 مهاجرين منهم 2398 من التبعية السورية. والمؤلم والمؤسف أكثر هو من يقرر إنهاء حياته تحت شعار (الموت ولا جحيم معتقلات الأسد) حيث شهدنا في الفترة الماضية عدة حالات انتحار لشباب سوريين بعد الحملة الأمنية الأخيرة.


فيما تسعى السلطات اللبنانية إلى اللعب بورقة اللاجئين في محاولة للضغط على المجتمع الدولي ودول الاتحاد الأوروبي للحصول على المزيد من الدعم، ومن ناحية أخرى في محاولة لتبرير فشلها في إدارة البلاد وفي العديد من الملفات الداخلية، للتنصل من مسؤوليتها عن الانهيار الاقتصادي عبر تحميل تبعاته للجوء السوري، أتت منحة المليار يورو من المفوضية الأوروبية كإبرة مورفين، ولكن سرعان ما تبعتها خطوة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR ألا وهي تقليص ميزانيّتها المخصصة لتغطية استشفاء اللاجئين السوريين. الضغط الأوروبي على لبنان مستمرّ من بوابة القطاع الصحيّ، إذ يحمل قرار UNHCR انعكاسات سلبية على القطاع الصحي، بعدما شكلّت أموال المفوضية سندًا لضمان تقديم الخدمة الصحيّة للسوريين.


منذ أن أتى اللاجئون السوريون إلى لبنان عاش معظمهم فترة لا يحسدون عليها، كانت ولا تزال محاطة بالمخاطر والخوف من مجهول مرتقب، يضعهم في دائرة الخوف الدائم والقلق المتواصل.


نورهان ، باحثة و ناشطة في مجال حقوق الإنسان.




٢١ مشاهدة
bottom of page