نعمة العلواني، صحفيّة و ناشطة سوريّة.
عُقدت يوم الثلاثاء 21 أيار/مايو 2024 أولى جلسات المحاكمة العلنيّة ضد عدد من الشخصيات المحسوبة على النظام السوري أمام محكمة باريس الجنائية.
رُفعت هذه القضية بموجب لائحة من الاتهامات لكلٍّ من: علي مملوك المستشار المقرّب لبشار الأسد والرئيس السابق لمكتب الأمن القومي، وجميل حسن المدير السابق لجهاز المخابرات الجوية السورية، وعبد السلام محمود رئيس قسم التحقيقات السابق في الجهاز المذكور في مطار المزة العسكري بدمشق، كونهم المسؤولين المباشرين في الفترة بين عام 2012 حتى 2019 التي تم فيها إخبارعائلة الدباغ بنبأ وفاة مازن وباتريك جراء التعذيب في الأفرع الأمنيّة. تأتي هذه الجلسات بعد سبع سنوات من التحقيق الذي أجرته وحدة جرائم الحرب التابعة لمحكمة باريس القضائية.
في ليلة 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، قُبض على باتريك عبد القادر الدباغ الذي يحمل الجنسيتين السورية والفرنسية والبالغ من العمر 20 عامًا، من منزله في حي المزة بدمشق، وكان باتريك طالب في السنة الثانية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق وبناءً على أساس الجنسية المزدوجة، تم إجراء تحقيق جنائي في فرنسا في تشرين الثاني/نوفمبر 2016.
أما مازن فتم القبض عليه في الفترة نفسها على يد عناصر قالت أنها تابعة لجهاز المخابرات الجويّة. وكان قد التقى مازن وباتريك في السجن في فرع المخابرات في المزة، حيث ظهر باتريك لوالده مكبّل اليدين وعلى جسده آثار التعذيب.
وبعد اعتقال مازن وباتريك، لم يكن لدى أسرتهما أي معلومات عما حدث لهما حتى تموز/يوليو 2018، عندما أصدرت السلطات السورية شهادات الوفاة وأُبلغت عائلة الدباغ بوفاة باتريك ومازن على التوالي في كانون الثاني/يناير 2014 وتشرين الثاني/نوفمبر 2017.
في 1 كانون الثاني/ يناير 2012، تم إنشاء وحدة متخصصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في باريس، والمعروفة باسم “وحدة جرائم الحرب” الفرنسية. وتتكون هذه الوحدة من فريق مؤلف من خمسة مدعين عامين، وثلاثة قضاة تحقيق مستقلين، وفريق من المحققين المتخصصين، يعملون حصريًا في قضايا الجرائم الدولية. واليوم، تعمل وحدة جرائم الحرب الفرنسية على 85 تحقيقاً أولياً و79 تحقيقاً قضائياً على صلة بجرائم دولية ارتكبت خارج الأراضي الفرنسية، منها حوالي 10 تتعلق بجرائم ارتكبت في سوريا.
لم تكن مهمّة رفع الدعوة سهلة على العائلة، امتنعت زوجة مازن الدباغ في البداية عن شهادتها خوفًا من الانتقام من قِبل نظام الأسد. لكن في النهاية رفع عبيدة دباغ، شقيق وعم الضحايا، إلى جانب الفدرالية الدوليّة لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير دعوى قضائية في فرنسا عقب اختفاء باتريك ومازن الدباغ الذين كانا قد اعتقلا واقتيدا إلى مركز الاحتجاز في مطار المزة العسكري في دمشق.
دفعت العائلة ما يقارب 15 ألف دولار للحصول على معلومات حول مصير أحبابهم، وأكد المصدر أن مازن وباتريك توفوا بعد عام من اعتقالهم، وكما يؤكّد الشهود أن هذا المنهج المتبع لدى النظام لتسريب المعلومات بالابتزاز المادي والمعنوي لعوائل الضحايا، حيث تدفع مبالغ هائلة من الرشاوي وقد تكون أحيانًا بدون فائدة تذكر. استلمت العائلة شهادات الوفاة بتاريخ 2017 من قبل محامي تم تعيينه من قبل عبيدة الدباغ شقيق مازن بدون تفاصيل تُذكر عن ساعة أو سبب الوفاة.
ذكر القاضي أن العائلة خسرت منزلها جراء الاستيلاء عليه من قبل رئيس شعبة المخابرات الجويّة بتاريخ تموز/يونيو2016 وكان هذا المنزل هو إرث الوالد مازن الدباغ، كما طلبوا من ابنته إخلاء المنزل. ولم يكتفِ رئيس الشعبة بذلك بل قام بتأجير المنزل للجهات الأمنية الأخرى وقاموا بتكسير باب المنزل الرئيسي وتخريب ممتلكاته.
ستجري الجلسات الأربعة للمحاكمة بموجب القواعد القانونية غيابيًا لعدم وجود المتهمين على الأراضي الفرنسية، كما أكّدت المحكمة على عدم وجود حصانة دبلوماسية للمتهمين ويمكن ملاحقتهم بالجرائم ضد الإنسانية ويمكن لمحكمة الجنايات أن تصدر قرارًا غيابيًّا ضدهم.
تنقسم هذه الجلسة لشقين، الأول يشمل إجراءات تحديد الهُوية واستدعاء الشهود والخبراء بالإضافة لشهادة أحد الشهود في المحكمة.
اقتصرت الجلسة الأولى بالحديث عن تفاصيل القضية المرفوعة وشرح كيف سيتم البت بالحكم في نهاية الجلسات الأربعة غيابيًّا، بالإضافة لوصف تحليلي عن الوضع في سوريا قام بها الشاهد زياد ماجد وهو لبناني فرنسي وأستاذ جامعي في باريس.
شملت الجلسة الثانية في اليوم نفسه شهادة "فرونسوا بورجا" مدير أبحاث في المركز الوطني في فرنسا وسابقًا في دمشق. عايش بورجا بدايات الثورة السورية عام 2011، واستعرضما رآه في تلك الفترة من قمع ضد المتظاهرين والمعارضين وشهادات الناس الذين التقى بهم.
كما وصف بورجا طريقة النظام السوري بتعزيز الطائفية بين شعبه خاصة بين السنة والعلويين وتحميل الثورة مسؤولية عزل الأقليّات، ونشر الرعب بين أفراد الشعب السوري.
أما الشاهدة الثانية كانت "جرانس لو كازن" وهي مؤلفة كتاب "عملية قيصر" والتي كانت قد عملت مع أهالي الضحايا وأيضاً على عملية تحليل وتصنيف الصور ضمن الأفرع الصادرة عنها.
وصفت "لو كازن" العملية الممنّهجة التي كان يتبعها كل فرع على حدى، وكأن كل جثة تتكلّم عن الطريقة التي ماتت فيها أثر التعذيب. تشرح "لو كازن" الأرقام الظاهرة بصور قيصر المسربة والتي تدل على الفرع الذي تم فيه التعذيب، ورقم يصدر عن الطبيب الشرعي المسؤول بتاريخ وصول الجثة، ومكان الوفاة ورقم زنزانة المعتقل.
"أرادوا قتل الذاكرة وخلق الفراغ والصمت بغياب باتريك ومازن الدباغ…" تؤكد الشاهدة أن لا فعل عشوائي لدى نظام بشار الأسد فهو لا يتوانى عن بث الرعب في قلوب السوريين وعوائلهم. حيث قابلت "لو كازن" أشخاصًا يقيمون في أوروبا لا يستطيعون من التحدث ضد النظام السوري خوفًا من انتقام النظام من أقاربهم وأحبابهم في الداخل السوري.
لم تخلُ ساحة شاتليه في باريس على مقربة من المحكمة من أعلام الثورة السورية وصور المفقودين والمعتقلين والمعتقلات التي رفعها السوريون للتأكيد على إصرارهم في ملاحقة النظام السوري حتى آخر رمق.
جمعت الساحة عدد من الفنانين السوريين والناشطين والناشطات أتوا من مناطق مختلفة للمشاركة في هذا اليوم غير الاعتيادي على حد تعبيرهم، وهو يوم تنتصر فيه الضحية على الجلاد.
ارتدى عدة أفراد مشاركين في التجمّع قمصان كُتبت عليها عبارة: "محاكمة الجُناة في سوريا" و"العدالة طريق السلام في سوريا"، وشاركهم برفع نفس العبارات ناشطين وناشطات في مدينة السويداء تزامنًا مع موعد المحاكمة.
نعمة العلواني، صحفيّة و ناشطة سوريّة.