top of page

ليلة سقوط الأسد

  • adalaty
  • 16 أغسطس
  • 4 دقيقة قراءة


ree


نائلة كزيبرة، متطوعة بالدفاع المدني.



حزيران 2025


البوستر من تصميم رسامة الكاريكاتير أماني العلي.
البوستر من تصميم رسامة الكاريكاتير أماني العلي.

الأحد، 8/12/2024

سوريا من دون بشار الأسد، نعم، لقد سقط  الأسد.

كانت صدمة لم نصدقها. طالما انتظرنا هذا اليوم، توالى تحرير البلاد محافظةً تلو الأخرى. كنا نتوقع رد فعل النظام كالمعتاد: خروج الطائرات الروسية، والمروحيات، والمدفعيات لقصف الشعب. لكن هذه المرة، لم ينطق أحد بكلمة. هرب جزار سوريا  ،انتصرت ثورتنا و سوريا حرة للأبد .


في ليلة واحدة، انهارت منظومة الأسد التي استمرت أكثر من نصف قرن. هرب بشار الأسد، من الباب المظلم للتاريخ.

كان الأمر أشبه بالحلم. لا تزال الصدمة تسيطر على أفكارنا ووقتنا. في الأسبوع الأول، راودتنا التساؤلات. نزلنا إلى حلب لنسأل المعارف والزملاء: هل ستنزلون إلى حلب، فكان الرد: "ما زلنا نفكر." وبعد أسبوعين من التحرير، بدأنا نستعد للعودة. وبعد اتصالات من الأهل: "انزلوا إلى حلب، نريد أن نراكم."


كنت أظن أنني حين أصل سأنهار من التأثر. كان الجو في ذلك اليوم رائعًا، كأنه يوم عيد. تلقيت اتصالات من الأهل طوال الطريق: "أين وصلتم؟" الطريق كان طويلاً، وغير مؤهل لعبور السيارات. انتشر الأمن العام لضمان سلامة القادمين. قالوا لنا: "لا تسلكوا هذا الطريق، هناك طريق أكثر أمانًا." كان رتل السيارات القادمة من الشمال المحرر متحيرًا أي طريق يسلك.


وصلنا أخيرًا، دخلنا حلب، ولم تسعنا الفرحة. لا كلمات تصف شعور اللقاء. العائلة، الأقارب، منزل والدي… كأنني غادرته بالأمس. نسيت كل سنوات العذاب. أين الصدمة؟ أولاد إخوتي وأخواتي هنا، والأسئلة تتوالى: من هذا؟ ومن ذاك؟ من كان عمره 5 سنوات، صار عمره 18! قلت لأولاد إخوتي: "ليقدّم كل منكم نفسه، ويذكر اسمه واسم والده."


بعد يوم طويل بين منزل أهلي ومنزل أهل زوجي، عدنا إلى بيتنا في أعزاز. كانت النقاشات مستمرة مع أولادي: "هل نحن متساوون مع من بقوا في بيوتهم؟" "نحن من تشردنا وتهجرنا.“


سألني ابني عبد البارئ، وعمره الآن 24 عامًا: "كيف تلتئم الجراح بعد الحرب؟“ كان من المتفوقين في الصف التاسع، من الثلاثة الأوائل في حلب. عندما بدأت الثورة، كان يستعد لشهادة البكالوريا. حلمه أن يصبح طبيب العائلة. كنت قد وفرت له مدرسين لكل مادة كي يحصل على أعلى الدرجات، لكن أثناء الامتحانات، شنت روسيا هجومًا شرسًا على المنطقة تمهيدًا لتسليمها للنظام، تهجرنا حينها، وفقدنا كل شيء. المنزل قُصف، والمحل كذلك. لم نتمكن من أخذ شيء معنا، خرجنا فقط بالثياب التي كنا نرتديها. لم تعد الحياة كما كانت، ولم يتقدم ابني للامتحان تلك السنة.


بدأ ابني بالعمل ليساعدنا. تعلم مهنة تصليح المحركات خوفًا من المستقبل. دخل في حالة نفسية صعبة، وكان يبكي كل يوم ويقول: "أليس من الظلم أن أمسك مفكًّا بدلاً من مشرط جراحي؟“ لاحقاً توقّف عن التفكير في الدراسة، وأصبح همه الوحيد تأمين المعيشة وسداد إيجار المنزل. كنت أعمل كمسعفة في المستشفى، لكن الراتب لم يكن كافيًا.


كنت كلما حدثته عن البكالوريا، دخل في نوبة اكتئاب وقال لي: "لا تعودي إلى هذا الحديث، لا أستطيع النجاح. يجب أن أكون من الأوائل، ولا أستطيع، يا أمي." كم كانت معاناتي كأم، أن أرى ابني يتألم، ولا أستطيع فعل شيء له. العائلة كلها كانت تعاني معه. إخوته وأخته كانوا يدرسون. وفي عام 2023، حين نجحت أخته الصغيرة في البكالوريا، بدا وكأنه بدأ يتعافى، وقال: "سأتقدم للامتحان العام القادم."


الحمد لله، تقدّم عبد البارئ للبكالوريا، ونجح، وحصل على مجموع جيد، ودخل فرع الهندسة المعمارية. هذا الفرع يتطلب الدقة والمهارة في الرسم، وهو مبدع في الرسم والتفاصيل الدقيقة.


الآن، كلما حصل على علامة تفوق الـ90،أعجز عن وصف فرحتي. الحمد لله، عبد البارئ تعافى وهو يتفوّق، كان من المفترض أن يتخرج مع أقرانه، لكنه الآن على الطريق الصحيح. ولكن بعد التعافي، أعاد التحرير فتح الجروح. تذكّرنا كيف وصلنا إلى هذا اليوم.

عاد ابني ليسألني: "أمي، لم تجيبي بعد… كيف تلتئم الجراح بعد الحروب؟"

أجبته: "هناك ما يُعرف بالعدالة الانتقالية بعد الحروب."

سألني: "من سيعيد لنا منزلنا؟ من سيعوّض تعبنا وتشريدنا طوال هذه السنوات؟"

قلت له: "بإذن الله، ستُشكّل لجنة مستقلة للتحقيق في الأحداث، وسيكون هناك دور للإعلام، وإن شاء الله تُكلّف محاكم خاصة بملاحقة مرتكبي الجرائم، والتعويض المادي والمعنوي للمتضررين."


أنا شخصيًا أريد مؤسسة شكاوى أقدّم لها وضعي. أريد تعويضًا يساعدني على تجاوز قسوة الحياة. لا أريد عدالة مؤقتة، بل عدالة مستدامة. أنا نائلة كزيبرة، أعمل مسعفة منذ ثماني سنوات في العمل الإنساني ضمن الدفاع المدني السوري. نحن العدو الأكبر لعصابة الأسد، بوثائقنا وتوثيقنا لتواريخ وانتهاكات النظام.


كمسعفة، رأيت حالات تقشعر لها الأبدان. أسعفت طفلًا كانت ساقه معلقة فقط بالجلد بسبب القصف، وكان يقول طوال الطريق في سيارة الإسعاف: "لا تدعوهم يبتروا ساقي… أريد أن أدرس، أريد أن أمشي.“ عشت تجارب قاسية في زمن الحرب والثورة، في بيتي، مع أولادي، وفي عملي.


العدالة الانتقالية بعد الحرب ليست مجرد كلمة، بل هي أسئلة وأجوبة لا تنتهي. هي استعادة الحقوق، وعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة بكرامة، وإعادة الاعتبار، والتعافي والاستقرار مما لحق بنا وبأولادنا من أذى.


أنادي بأعلى صوتي، وأوجّه ندائي للحكومة الجديدة، لمناصرة العدالة والمحاسبة من أجل المعتقلين، ومصابي الحرب، والشهداء. نريد جبر كسر أمهاتهم، وإحياء ذكراهم من خلال نصب تذكارية، وتسمية المدارس بأسمائهم، كي تفتخر أمهاتهم بما قدّمن.

هذا مطلب موجّه إلى الحكومة والوزراء الجدد. لا تنسوا من تأذى في الثورة… إنها ثورة شعب مظلوم ضد طاغية.


نحن أبناء الخوذ البيضاء - الدفاع المدني السوري، نهنئ ونبارك تحرير البلاد، ونتطلع إلى أن تصبح سوريا نجمة الوطن العربي في التحديث والإصلاح، عبر اختيار وزراء جدد لإنعاش الاقتصاد الوطني.

وأهم الوزارات المُحدثة هي وزارتنا: وزارة الطوارئ والكوارث


 وفي تاريخ 1/6/2025، تم انضمام كيان الدفاع المدني السوري رسميًا إلى هذه الوزارة.



نائلة كزيبرة، متطوعة بالدفاع المدني.


 
 

المقالات المنشورة على الموقع تعبر عن رأي الكاتبة فقط ولا يتبناها المركز أو القائمين على العمل

©Adalaty 2023 

bottom of page