top of page

فرنسا على أعتاب حكم تاريخي بشأن مذكرة توقيف الأسد

  • adalaty
  • 9 يوليو
  • 3 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 3 أغسطس


ree


ليندا عثمان LL.M، محامية و ناشطة حقوق الإنسان.






ree

في جلسة علنية عقدتها محكمة النقض الفرنسية يوم الجمعة 4 يوليو 2025، تم استعراض أمر توقيف فرنسي صدر في نوفمبر 2023 بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد، متهماً بالتواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب إثر استخدام الأسلحة الكيميائية في هجمات الغوطة ودوما في أغسطس 2013. جلسة المحكمة تناقش نقاشاً قانونياً دولياً جوهرياً حول مدى إمكانية تجاوز الحصانة الشخصية لرئيس دولة أثناء ولايته أمام نظام قضائي وطني في قضايا ارتكاب جرائم دولية جسيمة.


القضية تعود إلى مارس 2021، عندما قدّمت مؤسسات المجتمع المدني مثل "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" و"الأرشيف السوري" و"أطباء بلا حدود" شكوى جنائية أمام قاضي التحقيق في باريس، مستندةً إلى تقارير من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. هذه التقارير أكّدت استخدام غاز السارين عبر صواريخ أرض-أرض في دوما والغوطة الشرقية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1000 مدني وإصابة آلاف آخرين بأعراض شديدة.


 استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للسلطات الفرنسية بمحاكمة مرتكبي جرائم حرب أو ضد الإنسانية مهما كان مكان ارتكابها، أصدر قاضيان فرنسيان أمر توقيف في نوفمبر 2023 يشمل الأسد وآخرين . الإطار القانوني الفرنسي يستند إلى نصوص في القانون الجنائي تُجيز محاكمة من ارتكب جرائم حرب أو ضد الإنسانية إذا توفرت أدلة كافية. إلى جانب ذلك، فإن استخدام الأسلحة الكيميائية مصنف ضمن الجرائم الجاسئة (jus cogens)، وهي جرائم تمثل مندرًا ضمن القانون الدولي ولا تخضع للحصانة. وفي حزيران/يونيو 2024، أيدت محكمة الاستئناف في باريس صلاحية الأمر الموقوف، معتبرة أن الأفعال المنسوبة للأسد تتجاوز نطاق المهام الرسمية لرئيس دولة.


رداً، اعترضت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب (PNAT) أمام محكمة الاستئناف، قائلة إن الأسد لا يزال يتمتع بحصانة شخصية كرئيس دولة في عام 2023، وأن إلغاء أمر التوقيف ضروري للحفاظ على سيادة فرنسا ومنع التدخلات السياسية عبر القضاء. لكن محكمة الاستئناف رفضت هذا الطعن، مؤكدة أن الجرائم الدولية خطيرة، وأنها تقع خارج نطاق الأفعال الرسمية، ما يمكّن من تجاوز الحصانة الشخصية.


أثارت القضية جدلاً قانونيًا في محكمة النقض حول نقطتين أساسيتين: أولاً، الحصانة الشخصية (ratione personae) التي تحمي رؤساء الدول أثناء وجودهم في المنصب، والتي تشمل جميع الأفعال التي قاموا بها، سواء رسمياً أو شخصياً، ومنعتهم من التعرض لأي ملاحقة أمام محاكم أجنبية. ثانياً، درجة إمكانية رفع هذه الحصانة إذا ارتكب رئيس الدولة جرائم تعتبر خارجة عن نطاق السلطة الرسمية وتصنف ضمن الجرائم الجسمية الخطيرة كجرائم ضد الإنسانية واستخدام أسلحة كيماوية.


قدم المدعي العام ريمي هايتز في الجلسة حجته بأن الحصانة الشخصية يجب أن تبقى مطلقة طوال مدة تولي المنصب لأنها تضمن سيادة الدول وتمنع "محاكمات انتقامية" وغير عادلة عبر الحدود. لكنه اقترح كذلك ما وصفه بـ"الحل الثالث": وهو تجنب الخوض في المناقشات المعنوية بين الحصانة والتورط من خلال الاعتراف بأن فرنسا لم تعد تعترف بصفة الأسد كرئيس شرعي منذ عام 2012، وهو موقف مدعوم من وزارة الخارجية الفرنسية.


في المقابل، دافع ممثلو الضحايا والمنظمات المدنية عن مبدأ أن مكافحة الإفلات من العقاب تشكل "مصلحة ملزمة قانونيًا"، وأن الجرائم المرتبطة بأسلحة كيماوية تقع ضمن نظام الجرائم الجبرية (jus cogens) الذي يمنع التذرع بأي حصانة. وأكدوا أن محكمة النقض محكمة الجنائية الدولية لا تعترف بأي حصانة شخصية أو وظيفية في مثل هذه القضايا.


نتيجة هذه المداولات القانونية ستكون ذات أثر دولي واسع. إذا قررت المحكمة أن الجرائم الكيماوية تشكل خرقًا لقاعدة jus cogens وأن الحصانة الشخصية لا تُطبّق في هذه الحالة، فإن فرنسا ستكسر قيداً قانونياً، مما يفتح الباب أمام ملاحقة قضائية لرؤساء في السلطة. أما إذا استبقيت الحصانة كأساس قانوني لا يُجتاز، فإنها سترسخ حماية رؤساء الدول حتى في مواجهة أدلة دامغة على ارتكاب جرائم كبرى.


عند صدور القرار المنتظر في 25 يوليو 2025، سيتحدد المعيار القانوني لرفع أو تعزيز الحصانة أمام الجرائم الدولية الأشد خطورة، وستتضح مكانة المحاكم الوطنية في النظام القضائي الدولي. ستكون فرنسا بذلك قد اتخذت موقفًا قانونيًا وسياسيًا من العدالة الجنائية العالمية، وإما أنها ستعزز مبادئ "سيادة القانون" ضد "الإفلات من العقاب"، أو أنها ستضع قيودًا جديدة على مدى الجسامة التي يمكن عندها تطبيق الحصانة.


ليندا عثمان LL.M، محامية و ناشطة حقوق الإنسان.

 
 

المقالات المنشورة على الموقع تعبر عن رأي الكاتبة فقط ولا يتبناها المركز أو القائمين على العمل

©Adalaty 2023 

bottom of page